
جيل عظيم :
يعد أحمد أمين أحد أعمدة الثقافة والفكر من رواد نهضتنا الأدبية فى النصف الأول من القرن العشرين ، لم ينل مايستحقه هو ومؤلفاته من اهتمام وتكريم، بل ربما لايعرفه الكثير من شباب هذا الجيل . لقد لحق من رواد الجيل السابق عليه الإمام محمد عبده ولطفي السيد وقاسم أمين ، ثم كان مجايلا للطفي السيد وطه حسين وعباس العقاد والدكتور محمد حسين هيكل وأمين الخولى وأحمد حسن الزيات وإبراهيم عبد القادر المازني وتوفيق الحكيم وإبراهيم بيومي مدكورومحمود تيمور وغيرهم .. إنه ينتمي إلى ذلك الجيل الذي يعرف بجيل الرواد أو العمالقة ، جيل المفكرين والعلماء والأدباء والشعراء والفنانين الذي شهد النصف الأول من القرن العشرين قمة نشاطهم وآيات إبداعاتهم . لقد عاش تلك الفترة التي أعقبت الاحتلال البريطاني لمصر عقب فشل الثورة العرابية، وهي الفترة التي حفلت بالصراع السياسي، الذي انعكست آثاره على الحياة الفكرية والاجتماعية . لقد تبلور في هذه الفترة منهجان للعمل أحدهما يؤمن بالمجابهة المباشرة للاحتلال وهو الاتجاه الذي أسسه مصطفى كامل والحزب الوطني المصري ، والمنهج الثاني الذي يؤمن بتكوين المواطن المثقف الواعي القادر على المجابهة المباشرة للوجود الاستعماري بعد اكتساب الوطن لمقومات الاستقلال ، والذي تزعمه أحمد لطفي السيد وحزب الأمة ، ولم تكن العلاقة بين المنهجين من التعارض بحيث يكون تلاقيهما مستحيلا ، ولذا كانت المناداة بلإصلاح تلقى قبولا لدى الجميع .
لقد كان هناك نوع من التنوع الفكري في التكوين الثقافي لهؤلاء الرواد، نتيجة تعدد نظم التعليم في مصر ، فكان هناك الأزهر وإلى جانبه المدارس الأميرية التي يتم التعليم فيها على النمط المدني الأوربي ، حيث أنشئت لأبنائها المدارس العليا للحقوق والطب والزراعة وغيرها من التخصصات التي لا ترتكز على التراث ، وكان خريجوها ذوي عقليات تختلف اختلافا بيّنا عن عقليات خريجي الأزهر . وقد كان للبعثات أتي أختير طلبتها من الأزهر في النصف الأول من القرن التاسع عشر ثم المدارس العليا التي أنشئت بعد ذلك لدراسة علوم التراث بطريقة حديثة تختلف في كثير من جوانبها عن طريقة الأزهر، كان لها أثر في إيجاد نمط ثالث من المثقفين لاهو بالقديم الخالص ولا هو بالحديث الخالص وإنما يأخذ من كل بطرف .. ولذلك برزت في مصر ثلاث مدارس فكرية هي مدرسة المحافظين التي يمثلها أبناء الأزهر ومدرسة المجددين الذين اتصلوا اتصالا وثيقا بالفكر الأوربي، ثم مدرسة “المحافظين المجددين ” الذين تلقوا ثقافتهم الأولى في علوم التراث، ثم هيأت لهم ظروفهم الاطلاع على أساليب الفكر الحديث فأخذوا من الثقافة الأوربية بنصيب . وإلى هذه المدرسة الأخيرة ينتمي أحمد أمين .
