الجزء الثالث من حوار مع باهرة عبد اللطيف من كتاب محاورات د. أسامة غالي

س 7: في قصيدة النثر، هل ثمة فارق جوهري بين القصيدتين العربية والإسبانية؟
قصيدة النثر الإسبانية حديثة العهد نسبياً إذ بدأت في مطلع القرن العشرين، والكتب النقدية والدراسات التاريخية حولها ما زالت محدودة، على الرغم من جود كم كبير من المقالات النقدية المخصصة لها. والسبب في الماضي كان يعود لتحفظات بعض النقاد الذين اعتادوا التعامل مع القصيدة التقليدية التي تعتمد الأوزان الشعرية الإسبانية والقافية، وثمة سبب آخر يتعلق بتعدد أصوات قصيدة النثر واختلاف أساليبها وحريتها التعبيرية وصعوبة تقصيها.
في ما يخص صعوبة دراسة وتقصي تاريخ شعراء قصيدة النثر فذلك لأن الأدب الإسباني -على غرار الأدب العراقي الحديث- توزع على أدب الداخل أو ما سمي بـ “الأدب الفرانكوي” وأحياناً تطلق عليه تسمية “أدب ما بعد الحرب الأهلية”، وأدب الخارج أو المنفى الذي رافق نهاية الحرب الأهلية ومظالم الديكتاتورية التي أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من الأدباء والمثقفين والأكاديميين. وكان شعراء الخارج أكثر حرية وانفتاحاً في كتابة قصيدة النثر بعيداً عن إسبانيا وأجواء الاستبداد المسيطرة فيها آنذاك، فظهر شعراء كبار مهمون، كثير منهم كانوا من شعراء جيل الـ 27 الذي سبق ذكره.
أما شعراء قصيدة النثر في الداخل فمنهم بلاس دي أوتيرو من جيل ما بعد الحرب الأهلية، وخيراردو دييغو من جيل الـ 27، ولاحقاً شعراء آخرون بارزون من جيل الخمسينات والستينات كغابرييل ثيلايا وخوسي ييرو وبيثنته اليخاندري الذي نال جائزة نوبل للأدب عام 1977 وسواهم.
كان الشاعر المعروف خوان رامون خيمينث الذي فاز بجائزة نوبل للأدب عام 1956 من أوائل الشعراء الإسبان الذين كتبوا قصيدة النثر في مطلع القرن العشرين ثم تبعه شعراء آخرون. لكن مع ذلك ثمة من تأخر كثيراً في نشر نصوصه، كما هو الحال مع خيراردو دييغو الذي كتبها في الفترة ما بين 1918- 1959 وتأخر صدورها كثيراً حتى عام 1989. والسبب هنا يعود بلا شك إلى اضطراب الأوضاع السياسية بدءا بالحرب الأهلية (1936-1939) مروراً بحقبة الديكتاتورية الفرانكوية التي امتدت منذ نهاية الحرب الأهلية حتى عام وفاة الديكتاتور الجنرال فرانكو في نوفمبر عام 1975. ثم شهدت مرحلة الديمقراطية، منذ إقرار دستور عهد الديمقراطية حتى اليوم، ازدهاراً كبيراً في قصيدة النثر بعد أن شاعت أجواء الحرية والانفتاح على أوروبا والعالم، بانقضاء مرحلة هيمنة العسكر والكنيسة والفكر اليميني المحافظ على جميع مناحي الحياة ومنها الأدب والشعر لما يقرب من أربعة عقود.