
الروائي سلام ابراهيم
مدخل
طغى التيار الواقعي في الكتابة القصصية والروائية العراقية منذ نشأة القصة والرواية في عشرينات القرن الماضي، إذ كان غالبية الكتاب يؤمنون بالفكر الماركسي ويبشرون بأفكار الاشتراكية في مقالاتهم التي نظّرت وحددت الرؤيا الفكرية التي ستسود وتميز لاحقا النص الروائي العراقي دون غيره من النصوص العربية بالمقارنة ( مثلا مع تطور الرواية في مصر حيث ظهرت روايات تاريخية، روايات رومانسية، وروايات اجتماعية تصور الواقع الاجتماعي المصري في زمنها)، بارتباطه المباشر بتاريخ العراق وأحداثه السياسية وتحولاته العنيفة، سواء من خلال تيمة الرواية أو شخصياتها وطبيعة الحكاية التي ترويها للقارئ. هذا التوجه تجسد من خلال انهماك رواد النص القصصي والروائي بالعمل السياسي الميداني المباشر وبالكتابة التبشيرية وأخذ دور الداعية والمصلح الاجتماعي والناقد في مقالات نشرت في الصحافة وقتها، تناقش الأدب وطبيعته وعلاقته بالمجتمع مما بلور ورسخ هذا التوجه الذي سيظل سمة ملازمة للأدب العراقي حتى الآن.
هذه السمة وَسمت النص النثري العراقي منذ النشأة، فقد تحمل عبء النهضة، وغلب عليه في مراحله المبكرة الصفة التعليمية والدعائية في ميدان الاجتماع والسياسة التي ستظهر بشكل أكثر وضوحا في الفترة ما بين الحربين العالميتين حيث زاد واحتدم النضال الوطني من أجل الاستقلال وفك الارتباط بالاستعمار الإنكليزي.
تأخر ظهور الرواية في العراق مقارنة بالقصة القصيرة والشعر والفنون الأخرى، فمنذ صدور رواية – جلال خالد – لمحمود أحمد السيد 1928 وحتى صدور أول رواية أسست للرواية الفنية العراقية – النخلة والجيران – لغائب طعمة فرمان 1966 لم نحصِ سوى ثلاث روايات غير ناضجة فنياً هي:
“مجنونان” لعبد الحق فاضل 1939. “الدكتور إبراهيم” لذي النون أيوب 1939 و”اليد والأرض والماء” 1948 لذي النون أيوب أيضاً.
وهنا من الممكن الإشارة إلى قصة فؤاد التكرلي الطويلة – الوجه الآخر- التي لها مقومات الرواية الفنية القصيرة والتي صدرت ضمن مجموعته القصصية التي تحمل نفس الاسم1960.
علاقة الرواية بالصراع السياسي الدموي في العراق
قبل ظهور أول رواية عراقية ناضجة فنيا كان العراق المضطرب سياسياً منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى استلام العسكر السلطة بانقلاب 14 تموز1958 الذي سجل ظهور أول مليشيات الأحزاب ( المقاومة الشعبية التابعة للحزب الشيوعي العراقي) قد دخل صراعا دموياً على السلطة السياسية بسلسلة محاولات انقلابية فاشلة على سلطة – عبد الكريم قاسم 1958 – 1963 – تبعها حمامات دم وسحل أجساد المتآمرين في الشوارع في تقليد بدأته السلطة الوطنية متمثلة بسلطة الضباط الأحرار – الجيش – بمذبحة العائلة الملكية في قصر الرحاب تموز 1958 وسحل جثة الوصي عبد الإله ورئيس الوزراء – نوري السعيد – في شوارع بغداد، ليتوج العنف في ذروة جديدة أشرس وقعا ودموية بانقلاب 8 شباط 1963 وظهور مليشيات حزب البعث ( الحرس القومي ) التي نكّلت بالشيوعيين اغتصابا وقتلا تحت التعذيب، واغتيالا في الشوارع ودفناً وهم أحياء والمتبقي غصت بهم السجون والمعتقلات هذا التاريخ الدامي سيتردد صداه في الرواية العراقية لاحقا. أعقبها انقلاب تشرين الثاني 1964 الذي أزاح سلطة البعث الذي سرعان ما عاد في انقلاب جديد 17 تموز 1968 ليطور سلطة دكتاتورية تصنعت الانفتاح على القوي السياسية المختلفة فتحالفت معها واحدا بعد الآخر لتصفيها وتنفرد في سلطة تركزت بشخص الدكتاتور – صدام حسين – الذي أستولي بحفلة تصفية دموية داخل حزبه عام 1979 على رئاسة الجمهورية ليعد لحربه الطويلة مع إيران 1980 – 1988 ثم احتلاله الكويت 1990 ليدخل العراق في حرب غير متكافئة 1991 انتهت بحصار اقتصادي طويل نخر في بنية المجتمع العراقي وخربه من الداخل تخريبا مضافا إلى تخريب القمع لينتهي باحتلال العراق وتسليمه إلى القوات الأمريكية والمتحالفة معها ليدخل في دوامة عنف جديدة مستمرة حتى الآن، وما رافق هذا التاريخ الدموي من قتل ومقابر جماعية وإعدامات ميدانية في جبهات الحرب والملاعب والساحات واختفاء مئات الآلاف من الشباب إلى الأبد.
