الفـصحى والعاميات إشكالياتهما وأعداؤهما

في البدء كانت اللغة العـربية الفصحى، الشمسُ التي تـتصدّر سماءَ الأمة العـربية، تاريخها وجغـرافـيتها ومستقبلها، محاطة بكواكبها التي تـدور في فلكها منذ البداية وستظل تدور في فلكها إلى يوم القيامة، ألا وهي اللهجات العامية العـربية. 

ومن هـذا المنطلق، فإن هـذا التقرير الإعلامي في أحوال النظام اللغـوي العـربي، الفصحى وكواكبها، من جوانب مختلفة، يهدفُ في الأساس إلى الدفاع عـن النظام كله، والذي يُمكن أن نطلقَ عـليه إسـم “اللغة العـربية”، أمام المؤامرة البريطانية-الفرنسية، المستديمة زماناً وفعلاً، والهادفة، على امتداد القرنين الأخيريْن، لدحرِ النظام العـربي اللغـوي، بشـمسهِ وكواكـبه. لذلك، عـندما أذكـرُ (اللغة العـربية) في هـذا النص فإنما أعـني (النظام اللغـوي العـربي)، وليس الفصحى فقط، التي أذكرها بالإسم عـندما يتعـلق الأمر بها. 

كلنا يعـرف ما تعانيه اللغة العـربية من تراجع أمام اللغات الأوروبية الرئيسة، ومِن مشاكل خطيرة تهددها منذ بدايةالقرن العـشرين، بل وقبل ذلك، في الوقت الذي بدأ فيه كثير من أبناء العـربية نفـسها، جهلاً منهم بها وبإمكانياتهاالتعـبيرية اللامتناهية، باتهامها بعـدم ملاءمتها للعـصر وعـدم قدرتها على مواكبة التقدم العـِلمي والتقـني الهائل الذيتشهده البشرية .

ويحدث هـذا كله  في زمن يشهد فيه العالم، شرقاً وغـرباً، وفي إفريقيا السوداء، إزدياداً لم يسبق له مثيل في الإقـبال عـلى تعـلم اللغة العـربية، وذلك استـناداً إلى عـدد من الدراسات والإحصائيات أجريـت في الكثير من الدول. 

وكلما قمتُ بزيارة للمنطقة العـربية ازددت هـلعاً من تكاثر أشباه المثقفين ممن يخلطون باستمرار كلمات وعـباراتإنجليزيه أو فرنسيه بحديثهم، سواء كان بـإحدى اللهجات العامية أم باللغة  شـبه الفـصحى، والتي نطلق عـليها بكثيرمن التساهل والتغاضي إسم (الفصحى) متـناسين أن الفصحى لا تـتقـنها إلا أقلية ضئيلة جداً من المثقفين العـرب،تـنحصر في نسبةٍ صغـيرة من المخـتصين باللغة العـربية ومن المشايخ من خريجي الأزهـر وغـيرها من الجامعاتالإسلامية.

وتسجل ظاهرة الرطـْن بكلمات وعـبارات إنجليزية أو فرنسية بين ملايين العـرب، وهو ما يُعـرف بالثـنائية اللغـوية،إنتشاراً حثيثاً هو بحد ذاته بمثابة إهانة للغة العـربية وللقومية العـربية وللحـضارة العـربية الإسلامية. ويَعـتبرُ إبراهيم كايد محمود، في كتابه (العـربية الفـصحى بين الإزدواجـية اللغـوية والثـنائية اللغـوية) الذي صدر في 2002، أن”الثنائية اللغوية هي أشد عـداوة وخطراً من الإزدواجية اللغوية، لأن ضررها يبدو واضحا في الفرد والمجتمع، فهي تؤثر سلباً في شخصية الفرد، فيظهر عليه عدم الإستقرار النفسي”. ويفضي كايد محمود، الذي عمل أستاذاً للغة العربية في جامعة الملك فيصل، في الأحساء، إلى استـنـتاج أن من يمارس الثنائية اللغوية، “يكون ذو انتماءٍ ثقافي لغـير ثقافته الأم، بل انتماء لثقافة الأمة التي تعـلم لغـتهاعلى حساب لغـته القومية، فهو عـديم الإنتماء لأمته ووطنه ولكل ما له صلة بلغـته الأم”. ويعامل كايد محمود الإزدواجية اللغـوية بقسوة في هذا الكتاب، دفاعاً عن الفصحى، ولكنه، كما رأينا، يعتبر أن الخطر الحقيقي يكمن في الثنائية اللغـوية.        

اضغط هنا لمتابعة القراءة