د.خالد سالم

تمثل أميركا اللاتينية، بشقيها الناطقين بالإسبانية والبرتغالية، كنزًا قريبًا من الوطن العربي ثقافيًا وتطورًا
وصراعات رغم البعد الجغرافي. ويزداد هذا الكنز أهمية مع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في سياق
مختلف عن السنوات السابقة، سياق نزيف الشعب الفلسطيني في غزة، الشعب الذي يتعرض لمذابح متتالية
منذ المؤتمر الصهيوني الأول، في بازل سنة 1897 ، والشعب الذي اضطر كثيرون من ه إل ى الهر ب من جحيم
الصهاينة، فشكلوا شتاتًا جديدًا في أميركا اللاتينية وباقي جغرافية اليابسة.
تقام الاحتفالية السنوية في الثامن عشر من ديسمبر، وتكتسب احتفالية السنة الحالية زخمًا إذ تتصادف
مع الذكرى الخمسين لاعتماد لغة الضاد إحدى لغات العمل في الأمم المتحدة، وإن كان إقرار تخصيص الثامن
عشر من ديسمبر يومًا عالميًا لها تأخر أربعة عقود.
حرب الإبادة التي يتعرض لها عرب غزة منذ حدوث طوفان الأقصى ومواقف أميركا اللاتينية من
هذه الحرب، ما بين إدانة وسحب سفير وطرد آخ ر للكيان الصهيوني المعتدي، وهي مواقف ندر تكرارها في
ج ل دول العالم، هذا ناهيك عن ردة الفعل الشعبية التي فاقت أي ردود فعل في الدول الأخرى. أما قصور
الدول العربية فمواقفها يندى لها الجبين وتعجز لغتها الجميلة المحتفى بها عن وصف الشعور بالخزي الذي
تثيره داخل الوطن العربي وخارجه.
تتمحور احتفالية هذا العام حول ثلاثة مواضيع وهي الفلسفة والشعر: مساهمة الشعر العربي في تشكيل
المعارف وفي التحولات الاجتماعية ، واللغة العربية والفنون: توسيع آفاق التنوع الثقافي، واللاتينيون العرب:
البصمة العربية في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وجميل أن نأخذ في الحسبان عرب الشتات في القارة الناطقة بالإسبانية والبرتغالية، وأن نهتم بمنطقة
البحر الكاريبي ذي الكثافة العربية المهاجرة، وخاصة المكسيك فالعرب فيها يمثلون ثقلاً نوعيًا، وأبرزهم رجل
الأعمال المكسيك ي المشهور كارلوس سليم الحلو، أكبر أثرياء القارة وأحدهم على مستوى العالم.
والحضور العربي لا يقتصر على الهجرات العربية إلى العالم الجديد منذ نهاية القرن التاسع عشر،
وج ل ها كانت من بلاد الشام، فهناك وثائق تؤكد أن العرب وصلوا إلى القارة الأميركية قبل سقوط غرناطة.
معروف أ ن المتحف الوطني المكسيكي يضم وثائق تؤكد وصول العرب إلى العالم الجديد قبل كولمبس،
وأخرى عن الموريسكيين الذين رافقوا هذا البحار الإيطالي في رحلته الاستكشافية بتكليف من ملكي قشتالة،
إسبانيا لاحقًا، فور سقوط غرناطة عام 1492.
وهنا تحضرني واقعة تاريخية جرت على أرض المكسيك أبطالها جنود مصريون، طو ى النسيان
والإهمال صفحتهم، لك ن أحفادهم لا يزالون هناك بعد أن “تمكسكوا”، حسب ما أفادني صديق عربي تعرف
إلى بع ض أحفاده م. وهناك من يقول إ ن غا لبيتهم عادت إلى مصر، لكن المثبت أن كثي رين منهم وراه م ثرى
المكسيك ووار ى آخ ري ن هناك، ولا يزال أحفادهم يذكرون أ ن أصولهم مصرية. كان هذا في عهد سعيد باشا
الذي استدرجه الفرنسيون ليشارك معهم بقوات مصرية في حرب فرنسا، ومعها إسبانيا والنمسا ، على المكسي ك
سنة 1863 ، في لعبة توازنات دولية لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل.