
يشير عنوان رواية علاء خالد “بيت الحرير” لمحاور رئيسية ورمزية عميقة داخل العمل السردي، فهو يتجاوز كونه مجرد عنوان ليصبح استعارة مكثفة للعالم الداخلي للشخصيات، وآليات دفاعها، وطبيعة الواقع الذي تنسجه. يعكس هذا “البيت الحريري” الحالة النفسية المعقدة للشخصية المحورية “دولت”، إذ تبنيه حول نفسها كآلية دفاعية. إنه استعارة لعزلتها العاطفية وهشاشتها، وشبكة الأكاذيب والتخيلات التي تنسجها للتكيف مع الواقع القاسي. “يخرج الحرير من فم دولت ليدور حول جسدها المتكور في وضع الجنين، خيطًا رفيعًا واهنًا يتلوه خيط آخر، في دورات متعاقبة من خيوط الحرير التي تلتف وتتشابك وتتقاطع حولها، وتتداخل مسارات النجوم، لتضغط على جسدها، فيزداد انكماشًا واضمحلالًا.”
العزلة، الهشاشة، وطبيعة الخيال
يدل “بيت الحرير” على عزلة دولت التي فرضتها على نفسها، وانعزالها عن قسوة العالم الخارجي وما يكبدها من آلام، وبخاصة ما اتصل منها بالثورة وصدماتها الشخصية. “داخل هذه المجرة الحريرية المعزولة تتعاقب عليها دورات البعث، والقمر، والشوكولاتة باللبن، والبكاء، واللذة. يقل الضوء يومًا بعد يوم، خيطًا بعد خيط، حبيبًا بعد حبيب، موتًا بعد موت، وكذبة بعد أخرى.” إنها تبحث عن الضوء فقط بعد أن تكون قد أغلقت نفسها تمامًا داخل بيتها الحريري، الأمر الذي يشير إلى حاجتها العميقة إلى الأمان قبل أن تتمكن حتى من إدراك إمكان الاتصال الخارجي.
ويتجلى المرور إلى الهشاشة والزوال في طبيعة الحرير نفسه الذي يتسم بالرقة وسهولة التمزق، الأمر الذي يعكس هشاشة دولت المتأصلة على الرغم من قوتها الظاهرة والشرنقة التي تبنيها حول نفسها. يذكر الراوي أن الشرنقة “هشة في ظاهرها سريعة الزوال”، ويمكن أن يتحطم وهم الأمان الذي يوفره “بيت الحرير” بسهولة، عندما يتلامس مع شيء “صلب”. ترتبط خيوط الحرير صراحةً بأكاذيب دولت وخيالها، الأمر الذي يشير إلى أن “بيتها” مبني على أساس من اللاواقعية، عالم تبنيه لتفهم تجربتها. عبارة “يخرج الحرير من فم دولت” تربط المادة مباشرة بسردها الشفهي، والذي غالبًا ما يكون مزيجًا من الحقيقة والخيال. هذا الكذب الإبداعي هو وسيلة للتكيف وحماية نفسها من نقاط الضعف والمخاوف. أما الصورة المتكررة لدولت وهي “متكورة في وضع جنيني” داخل بيتها الحريري، فتستحضر رغبة في العودة إلى حالة من الأمان البدائي والبراءة، تشبه الرحم. وهذا يعزز فكرة “البيت” كملجأ واقٍ، يكاد يكون بدائيًا.
وتتميز بنية “بيت الحرير” السردية بتعقيدها وتعدد مستوياتها، الأمر الذي يعكس الأبعاد النفسية والفلسفية العميقة التي تتناولها الرواية. لا تعتمد الرواية على خط زمني واحد ومستقيم، بل تتشابك فيها الأزمنة ووجهات النظر، ويستخدم الراوي تقنيات سردية متنوعة لتعميق تجربة القارئ.
