تأملات حول مدن السور والعاصمة الإدارية الجديدة

إن قاطني مدن السور ينتقلون من فضاء هيتروتوبي، إلى فضاء هيتروتوبي آخر على مدار أيامهم، إذ يخرجون من مدنهم المُسوَّرة الحصينة، في سياراتهم الفارهة المكيفة بنوافذها المعتمة والمغلقة هي الأخرى، يمخرون بها عباب التلوث، متجنبين هواء المدينة الفاسد وضجيجها الموتِّر، ليذهبوا إلى شركاتهم أو مكاتبهم الخاصة الموجودة بدورها في أبراج أو بنايات حصينة يحميها أفراد أمن يتبعون  شركات الأمن الكبرى في المدينة، وحين يغادرون سياراتهم ينتقلون إلى المصاعد، أي إلى فضاء هيتروتوبي آخر، ومنها إلى مكاتبهم المغلقة المكيفة ليلاقوا مستخدميهم أو بعض نظائرهم ممن يقطنون نفس العالم وينتمون إلى نفس الطبقة، كما أنهم في غير أوقات العمل غالبًا ما لا يغادرون الفضاءات الهيتروتوبية، إذ إنهم إمَّا في نواديهم الخاصة الملحق بعضها بمدنهم أو المنفصلة عنها، أو في اجتماعات داخل قاعات بعض الفنادق، أو يتزاورون فيما بينهم داخل مدينتهم، أو منتقلين من مدينتهم إلى مدينة أخرى شبيهة أو مثيلة من مدن السور، أو في البارات والملاهي الخاصة بهم، أو في سينماتهم التي هي أحلى على حد تعبير إحدى المعلنات عن مشروع مدينتي، أو أنهم في مدنهم الأخرى في الساحل الشمالي، أو في العين السخنة أو الجونة في الغردقة، أو في يخوتهم أو طائراتهم الخاصة، أو يمارسون التزحلق على الماء. أما أبناؤهم وبناتهم، فهم إمَّا في مدارس داخل هذه المدن ذاتها، أو في جامعات على أطراف هذه المدن وبجوارها، أو في النوادي والملاعب التابعة لتلك المدارس والجامعات، أو في المولات أو سينمات هذه المدن أو سينمات الفنادق أو سينمات المولات، أو يقضون عطلهم مع أهاليهم في مدنهم الساحلية المُسوَّرة أيضًا هي الأخرى، أو في هيتروتوبيات أخرى خارج البلاد. من هيتروتوبيا إلى أخرى، ومن فضاء هيتروتوبي إلى فضاء هيتروتوبي آخر.

لقد اختلفت صورة أبناء هذه الطبقة عن تلك الصورة التي رسمها أحمد فؤاد نجم في قصيدة التحالف لتنابلة حي الزمالك؛ حيث يقول:

یعیش التنابله

في حي الزمالك

وحي الزمالك

مسالك مسالك

تحاول تفكر تهوب هنالك٢٠٢

تودر حیاتك

بلاش المهالك

لذلك

إذا عُزت توصف حیاتهم

تقول الحیاة عندنا

مش كذلك

وممكن تشوفهم في وسط المدینة

إذا مر جنبك

أتومبیل سفینه

قفاهم عجینه

كروشهم سمینه

اضغط هنا لمتابعة القراءة