تمثال نهضة مصر: أمثولة وسردية من سرديات الهوية الوطنية “قراءة ثقافية في الذكرى المئوية لثورة 1919”

إلى ذكرى الصديق الحبيب
شاكر عبد الحميد
لَقَد بَعَثَ اللَهُ عَهدَ الفُنونِ
وَأَخرَجَتِ الأَرضُ مَثّالَها
(أحمد شوقي)
مدخل:
في معنى الذكرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن مفهوم الذكرى أو إحياء الذكرى بمرور فترة زمنية معينة، عِقْد أو ربع أو نصف قرن، يوبيل فضي أو ذهبي أو ماسي، أو قرن كامل من الزمان، على حدث من الأحداث أو على مولد أو رحيل شخصية ما، هو مفهوم احتفالي وشعائري بامتياز. ذلك أن أفعال التذكر الجماعية هي أفعال طقوسية وشعائرية تُعبِّر عن حاجة ماسة لاستدماج هذا الحدث أو هذه الشخصية ضمن مكونات الوعي الخاصة بالجماعة المُحتفِلة والمُحتفِية، سواء بالقبول أو بالرفض، سواء للتمجيد أو للتنديد.
وبالطبع، فإننا اليوم، ونحن نحتفل بالذكرى المئوية لثورة 1919، نريد أن نبعث ونستدعي ونؤكد القيم التي قامت ثورة 1919 لتعبِّر عنها وتنادي بها. وهي قيم التحرر والحرية، قيم العزة والكرامة والشرف الوطني، قيم المواطنة والمساواة وعدم التمييز على أساس دين أو طائفة، أو عرق، والندية على مستوى العلاقات الدولية، وإن كان يمكننا أن نضيف إليها بعدًا آخر، لم تهدف إليه الثورة إلا أنها قد تمخضت عنه، وهو عدم التمييز أيضًا على أساس النوع الاجتماعي.
وهي جميعًا قيم تتسم بأبعادها الإنسانية وبالتقدم والرقي؛ خصوصًا أن هذه القيم لا تفتأ تنفلت وتتراجع، وتتفلت وتتساقط من أيدينا ما بين لحظة وأخرى؛ ومن حين إلى حين؛ على نحو أشبه بريطة في التراث العربي أو بينلوبي في الأوديسا، والتي لم تفتأ كل منهما أن تنقض غزلها كلما أوشكت أن تتمه أو توحي للآخرين أنها قد أتمته.
ومن ثم فإن الحاجة إلى إعادة شحن الذاكرة بهذه المعاني والقيم تمثل مغزى أساسيًا من مغازي مثل هذا الاحتفال. هذا فضلاً عما تتيحه عمليات التذكر من إمكانيات لإعادة القراءة؛ ومن ثم إعادة المراجعة والتقييم، وتعميق الفهم تجاه الأحداث والأشخاص الفاعلين والمُحركين للأحداث، بما يتيح رؤية أكثر عمقًا للماضي والحاضر؛ ومن ثم القدرة على تدبر واستكشاف واستشراف المستقبل.