أحمد عبد الحليم عطية 

كتابات الكونت دى جالارثا الاستاذ الاسبانى تقدمه لنا فى صورة الاستاذ الذى درس الفلسفة منذ حوالى منتصف العقد الثانى إلى بداية العقد الثالث فى الجامعة المصرية 1915-1921 ثم مدرسة المعلمين العليا بعد ذلك (1) . فهو استاذا جامعيا من الجيل الأول فى الجامعة المصرية ومن روادها الذين تلقى عليهم أجيال متعددة لسنوات كثيرة الفلسفة بصورتها الحديثة التى تختلف عما يقدم فى الأزهر ، الجامعة الدينية العتيقة العريقة . وتقدم وثائق الجامعة المصرية القديمة بيانا باسماء كثير ممن تتلمذوا عليه فى هذه الفترة (2) وكما جاء فى البيان التفصيلى لعدد الطلبة الذين حضروا دروس جالارثا فى العام 1919-1920 وهى سنة الثورة المصرية. ومن هنا يرجح أن نسبتها قد تكون أقل من المعتاد فى السنوات الاخرى ، فإننا نجد أن طلاب مادة “الفلسفة العامة وتاريخها” 467 طالبا و”الفلسفة العربية والاخلاق” 492 طالبا ممن تعلموا على جالارثا (3) وقد حفظت لنا الوثائق اسماء 34 من هؤلاء ووفقا لكشوف من تقدموا لامتحانات هذين المقررين فإن الاعداد على النحو التالى 14 طالبا فى عام  1916 ، 14 طالبا فى عام 1917 ، 13 طالبا فى عام 1918 ، 7 طلاب فى عام 1919 ، 4 عام 1920 ، 6 عام 1921 [1]*) : مصريون وغير مصريون ، شيوخ (طلاب من الازهر) وافندية(من المدارس المدنية) . نذكر من هؤلاء اسماء كان لها دورها الكبير فيما بعد فى الجامعة والحياة العامة المصرية على سبيل المثال: الشيخ زكى مبارك ؛ الذى حصل على الدكتوراة من الجامعة المصرية فى الفلسفة وتوفيق حامد افندى المرعشلى ، الذى أسس الحركة التعاونية بمصر وكتب فيها عدة مؤلفات (4) وعبد الوهاب عزام الذى أصبح عميدا لكلية الآداب بالجامعة المصرية وغيرهم بالاضافة لمن درس كتاباته فيما بعد ممن لم يتتلمذوا عليها مباشرة من اساتذة الجامعة المصرية أمثال : عثمان أمين ؛ الذى اعتمد على دروسه وأشار إليها فى كتابه عن الفلسفة الرواقية وتوفيق الطويل فى فلسفة الاخلاق وعبد الرحمن بدوى فى الفلسفة العامة . (6)

لن نتوقف هنا عند هذه الصورة ، صورة استاذ الجامعة وكذلك لن نتوقف عند اهتمامه الكبير بالآثار المصرية وهو جانب هام كشفت عنه عدة دراسات منها دراسة العالم الاثرى المصرى الكبير عبد الحليم نور الدين (7) ولا صورة المحامى فى المحاكم المختلطة ، وهى محاكم القضاء الخاص بالاوروبيين فى مصر والتى يشير إليها جالارثا على عناوين كتب “محاورات فى الحكمة” (8) والتى تمثل جانب يطل منه جالارثا على الحياة العامة فى مصر والتى عرف جالارثا فى هذه الفترة أكبر زعمائها فى العصر الحديث سعد باشا زغلول قائد الثورة المصرية 1919 . وهى ثورة فى كثير من جوانبها تماثل الثورة المصرية التى نحياها الآن ، ثورة مصرية شعبية تطالب بالحرية والكرامة المصرية يقودها الشباب والمثقفون . لكننا سنتوقف عند علاقة جالارثا مع المثقفين فى العشرينيات من القرن الماضى . وقد اخترنا منهم كل من محمد لطفى جمعة (1886-1953) ومى زيادة الاديبة العربية المعروفة (9) وسوف نعرض لهذه العلاقة اعتمادا على الرسائل التى بعث بها جالارثا إلى هؤلاء خلال مراسلاته معهما والتى تلقى ضوءا على اهتماماته العلمية خلال هذه الفترة . 


(*)  العدد 58 وهناك من حضر دروس أكثر من عام وبالتالى فالأسماء 34