الدكتور محمد عمران/ الهند
رأينا ذئبًا في هيئة بشرية يتكلم ويهمس في محاولة لإكساء الأكاذيب ثوبًا من الحقائق، لكن سرعان ما بدأت الوفود المشاركة في حفل الترويج تتململ، وأخذت الوفود تغادر القاعة بصمت. وفدٌ يضحك ساخرًا، وثانٍ يرفع لافتات صغيرة كتب عليها ” كفى مسرحيات رديئة”.
الذئب كما يتقن فن الافتراس، لا سيما افتراس البشر، يتقن أيضًا فن التضليل والتبرير، وهو يظن أن ما خرج من لسانه السليط سيكون عند العالم مُصدَّقًا مقبولًا. عدّل ربطة عنقه كمن يستعد لخوض معركة مصيرية ضد شبح غير مرئي. دخل قاعة الأمم المتحدة وهو يتخيلها مسرحًا حافلًا بالتصفيق والتصديق والتوثيق. قام وهو يحاول أن يرسم على وجهه المهزوم ملامح الثقة وعدم الارتباك، وأن يجمع قواه المعنوية التي قد كان فقدها منذ إعلانه شنّ الهجوم الافتراسي على قرية البشر. لكنه لم يدرك بأن قصره سينهار خلال بضعة ثوانٍ ما أن انتصب على المنصة، وراحت المقاعد تتحول واحدة تلوى الأخرى إلى فراغ بارد.
ارتسمت على عينيه المفترستين دهشة مرتبكة. كان يلوح بيديه في الهواء فلا يجد أمامه سوى مقاعد خالية وكاميرات تسجل له هزيمته النفسية التي تكاد تكون أكثر قسوة من أية معركة عسكرية. حاول أن يلوح بخرائط قديمة ودعايات كاذبة متكررة، تلك الخرائط التي رُسمت فيها فلسطين كما لو أنها مِلك يهوديٌ مسلوب منذ قرون. غير أنَّ مغادرة الوفود ومقاطعتها خطتبه قد أثقلته بخيبةٍ لا تُخفى على أحد. حاول أن يرسم ابتسامة المنتصر فإذا به يكتشف في أعماقه أن صورته أمام العالم قد تهشّمت، ودعاياته قد تكشفت، وقوته المزعومة قد انهارت.
القاعة التي كان قد أرادها منصة لترويج القوة وكسب الدعم الدولي، تحولت فجأة أمام الذئب إلى مرايا صامتة، صافية، تُظهر له عُريه السياسي وجريمته في افتراس الإنسان. كانت كلماته مبعثرة تفتقر إلى الحقائق وتعوزها الثقة، فلم تتردد في القاعة أصوات تصفيق ولا صدى، سوى صوت ارتطام كلماته بالجدران. همس لنفسه، بينما كانت اللعنة الإلهية تنهال عليه بوابل الغضب، والعالم أجمع يستنكر بصمت:
” لقد كشف العالم أخيرًا زيفك وعرف حقيقتك!”
هذا الذئب ليس مَن صنعته مخيلة إخوة يوسف، بل هو من اختلقه ” إخوة صهيون” بالتنسيق مع العالم الذي يُدعى بالمتحضر. العالم الذي يتبجح باحترام الانسان وحقوقه هو من أنشأ مكانًا لهذا الذئب في قرية البشر، ليفترس الانسان نفسه الذي يدّعي العالم بأنه يحمي دمَه ويحفظ حقوقه.
ما كان للذئب أن يغدو كبيرًا لولا أن الدول العربية والإسلامية كبّرته بتهاونها. من علّمنا أن قطيع الذئاب قد أصبح قوة لا تُهزم؟
لولا التواطؤ والخذلان العربي لما كان للذئاب أن تفترس أخوتهم في فلسطين.
* هذه الخاطرة من وحي أخبار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومغادرة الوفود الدولية القاعة مع كلمة (نتن ياهو) يوم 26/9/2025