رواية (طشاري) لإنعام كجه جي مقال للدكتور ضياء خضير

رواية (طشّاري) لإنعام كجه جي / قراءة أخرى
طشّاري هي الرواية الثالثة للصحفية والروائية العراقية المقيمة في باريس إنعام كجه جي. وهي، في رأيي، بين رواياتها الأربع أكثرهن ضبطًا وتكاملا من ناحية الإحكام السردي الذي يتساوق فيه المبنى الحكائي مع المتن الحكائي، بما ينطويان عليه من جمال، وتكامل ظاهر لا ينفصل فيه الشكل الخارجي للرواية عن مضمونها ومنطقها العام.
وهي، كغيرها من روايات إنعام كجه جي، رواية مكتوبة عن ماضي شخصيتها أو شخصياتها الرئيسية على نحو تبدو تقنيةُ الاسترجاع المهيمنة فيها نوعًا من التأريخ للماضي، أو حاضر الماضي الذي خلفته بطلةُ الرواية الطبيبة ورديّه شماس وراءها بعد خروجها أو هجرتها القسرية من بلدها العراق. وهي لا تذهب نحو ذلك الماضي لتستعيد حكاياتها وتجاربها الشخصية فيه فقط، بل أيضًا لإعادة كتابة تاريخ البلد الحديث، أو مقاطع محددة منه بكل ما ينطوي عليه هذا التاريخ من تفاصيل حياة ومشكلات و(ورطات) وجودية قائمة على صعيد الاجتماع والسياسة والبنية الثقافية بصورها الإيجابية والإشكالية المعروفة، بصرف النظر عن موقع الراوي ووجهة النظر، أو نقطة التبئير في الرواية، وما يتصل بها من رؤية تحصرها وتحدد إطارها في نطاق سردي معين، هو ذلك الذي وضعته الراوية، ومن ورائها المؤلفة صاحبةُ العمل القريبة منها، كما سنرى.
وطشّاري، أساسًا، روايةُ الشتات العراقي الذي يتجسد في العنوان، ويبدأ لأسباب سياسية وأمنية قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، ويتعمق بعده، بحيث يصبح هذا الشتات جماعيًا فيما يتصل ببعض مكونات المجتمع العراقي الطائفية والدينية، ولاسيما المكون المسيحي الذي تنتمي إليه الدكتورة وردية.
ووردية هذه تقول بلغتها الطبية، وهي تصف هذا الشتات إن أعضاء جسدها، أي أبناءها، قد توزعت بين منافي الشرق والغرب (ابنتها ياسمين في دبي، ابنها برّاق في أحد بلدان أمريكا اللاتينية، وابنتها هند في منيتوبا الكندية)، فيما بقيَ القلب، (وهو الأم) في باريس الفرنسية. وذلك يمثّل نوعًا من التجسيد الحي لهذا الشتات الذي لم يعد فيه اجتماع الأحياء من العائلة العراقية الواحدة صعبا أو مستحيلا في حياتهم فقط، بل بعد موتهم أيضًا.