
الدكتور ضياء خضير
تمثّل قراءة السيرة التي وضعتها مي مظفّر عن زوجها الراحل الفنان رافع الناصري تحت عنون (أنا ورافع الناصري، سيرة الماء والنار)، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2021)، تجربة فريدة في غناها وتنوعها على الصعيدين المكاني والزماني، والثيماتي التي جمعت فيه بين الفن التشكيلي بتنوعه المذهل لدى هذا الفنان، الذي مثل علمًا من أعلامه العراقية والعربية المميّزة، والكتابة الأدبية التي كانت الكاتبة نفسها الطرفَ الثاني فيها.
لم أكن أتوقع، في الواقع، أن أجد في الكتاب هذا النوع من الارتباط الحميم، وهذا التفصيل الدقيق، وهذا العمق، وهذا الإخلاص، والضبط في الكتابة، وموضوعها المتصل بالعلاقة الخاصة بين الفنان وفنه، وقرينته، وعلاقته مع الآخر، على هذا النحو.
كنتُ، خلال ذلك، أشعر بالأسف والأسى مع التقدم في قراءة كل صفحة جديدة من صفحات الكتاب، ورؤية ما فيه من صور حياة ولوحات، أن يختفي من حياة المرأة التي آمنت به وأحبته، ومن حياتنا العراقية والعربية مثلُ هذا الإنسان والفنان النادر، بشكل مبكر.
وقد مثّلت مي مظفر كامرأة وحبيبة وزوجة بالنسبة للفنان في حياته عنصر الماء في تلك المعادلة الجميلة على صعوبتها وتركيب عناصرها.. الماء الذي كانت وظيفته التخفيف من حدة النار التي كانت تشتعل داخل هذاالرجل القادم من تكريت العراق، والعائد من رحلة دراسية مبكرة وفريدة إلى الصين بدأها عام 1959، وليس إطفاء اللهب المقدس الذي ظلت شعلته الإبداعية متوقدة حتى اللحظات الأخيرة التي اخترم فيها المرض اللعين جسد رافع، ولكنه لم يستطع أن يمسَّ روحه خلال فترة المعاناة الطويلة التي اكتشف فيها وجود المرض في جسده وخضوعه لمراحل العلاج الطويلة المتعبة. بل إن مي كانت تسأل رافع أحيانا عن ناره المتقدة وحيويته وجنونه من أجل تحريضه، حينما ترى شيئا من الجمود أو البرود في اللوحة المنجزة. وهكذا، فرافع الذي كان يدعوها للدخول معه إلى منطقة (الجنون) الخطرة إذا أرادت الانضمام إلى عالمه، قد ورث منها شيئا من شحنات العقل والهدوء، فيما ورثت هي منه شيئا من الجنون الخلاق، في عدوى ثقافية وفنية متبادلة.
لقد ظلت طاقة الناصري العجيبة وإصراره على مواصلة العمل المبدع في كل الاتجاهات فاعلةً حتى الرمق الأخير في الرسم والتخطيط والتصوير، والحفر الطباعي الذي تخصص فيه، وأصبح بعد دراسته الطويلة له في الصين والبرتغال واحدا من أساتذته وصانعيه الكبار.