صورة مدرّس اللغة العربية

لميس النقاش

صورة مدرّس اللغة العربية:

دراسة في روايتي الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي (1954)

ووليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر (1984)


د. لميس رجاء النقاش


الصورة النمطية لمدرس اللغة العربية

يتعلم المواطن العربي لغة جديدة إذا ما ذهب إلى المدرسة وبدأ في تعلم القراءة والكتابة، لغة تختلف في صوتياتها، وتراكيبها وبعض مفرداتها عن اللغة التي يعتبرها لغته الأم. وتظهر صورة مدرس اللغة العربية المالك لهذه اللغة الغريبة كشخصية أقرب إلى الساحر الذي لا يعرف أحد كيف يجاريه. وقد دأبت السينما العربية على تصوير مدرس اللغة العربية تصويرا فكاهيا باعتباره شخصا خارج الزمان. وكثيرا ما ترافق ذلك بالصورة البصرية لمدرس اللغة العربية بالزي التقليدي للأزهري الذي يبدو بالتالي منتميا لزمن ماض في حين يرتدي أقرانه من مدرسي العلوم واللغات وحتى مدرسي التاريخ الملابس العصرية. والأمثلة لا نهائية على تلك الصورة النمطية بما فيها من تنويعات(1).  وهذه الفجوة بين مدرس اللغة العربية وطلابه وغيره من المدرسين هي جانب من جوانب الفجوة التي تعيشها المجتمعات العربية بين لغتها الفصحى والدارجة، تلك الفجوة التي حدت بأحد الكتاب حول هذا الموضوع إطلاق لفظ الشيزوفرينيا اللغوية على الواقع اللغوي للمجتمعات العربية. (الشوباشي 125) 

والحقيقة أن الفجوة بين أي مدرس وطلابه هي من طبيعة الأمور، ولكن ما نتحدث عنه فيما يتعلق باللغة العربية هو أن هذه الفجوة تبدو غير قابلة للوصل، إذ تبدو خبرة تعلم اللغة العربية كما وصفها الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة في مقاله “طهروا اللغة العربية” خبرة عبثية، يصفها كالآتي:

إني لآسف لفتيان وفتيات يصارعون طلاسم اللغة العربية على مقاعد المدرسة فتصرعهم الطلاسم، وينتهون بأن يخرجوا من المدرسة بعد أن يتركوا فيها زهرات شبابهم، ولغتهم عصية على ألسنتهم وأقلامهم، ومحاسنها بعيدة عن مداركهم وأذواقهم، وفي قلوبهم ما يشبه الحقد على لغتهم وعلى الذين خلقوها ورتبوا لها تلك القواعد. (ورد في رجاء النقاش 63) 

ومن هنا يمكن القول إن الصورة النمطية لمدرس اللغة العربية هي ذلك العالِم بما يعتبره الجميع طلاسم لا سبيل لفكها، المنتمي للماضي والمنقطع بالتالي عن الحاضر والمستقبل، وهو ما يترتب عليه خلق مسافة بين هذه الشخصية وغيرها. 

وفي هذه الورقة أحاول مقارنة الصورة النمطية لمدرس اللغة العربية بتلك التي تقوم الروايتان محل الدراسة بطرحها. وأتناول هنا رواية الأرض (1954) لعبد الرحمن الشرقاوي، ورواية وليمة لأعشاب البحر (1984) لحيدر حيدر. ونجد في الروايتين أن صورة مدرس اللغة العربية تتقاطع وتختلف مع الصورة النمطية في محاولة لتوصيل رسالة الرواية. وتقوم الروايتان باستخدام الصورة النمطية لمدرس اللغة العربية والمشكلات التي تطرحها تلك الصورة لتوصيل رسالة تختلف عن مضمون الصورة النمطية. ويدخل تصوير مدرس اللغة العربية في الروايتين في جدل واضح مع الصورة النمطية مستخدما بعض خصائصها ومعارضا للبعض الآخر.

اضغط هنا لمتابعة قراءة الدراسة