بریم تشاند

ترجمة من الأردية: د. هيفاء شاكري

1/ يناير 1935م

لا أستطيع أن أعبر عن اليأس الذي شعرت به أثناء مباراة الكركت اليوم، كان فريقنا أقوى من منافسه لكننا هزمنا وغادر الفريق المنافس رافعا الكأس، يردد أناشيد النصر والفوز. لماذا ؟ فقط لأنه لا يشترط عندنا الاحتراف لأجل القيادة. إنما نعدّ الغنى ضروريا لذلك. فقد انتخب سمو الأمير قائدًا للفريق واضطر الجميع للاستسلام لقرار لجنة الكركت، ولكن كم من القلوب احترقت وكم من الناس استسلموا لهذا القرار بوصفه أمر الحاكم ؟ اسألوا اللاعبين أين الأمل والحماس ؟ وأين العزيمة ؟ وأين الرغبة في إسالة آخر قطرة من الدماء؟ لعبنا ولعبنا بقلوبنا في الظاهر ولكن الحق أنه لم يكن جيشًا يحارب لأجل الفوز ولم يكن أحد يرغب في هذا اللعب.

كنت واقفا في المحطة أفكر في أن أقطع لنفسي تذكرة الدرجة الثالثة عندما اقتربت مني تلك الجميلة التي نزلت لتوها من السيارة وصافحتني قائلة: “السيد ظفر؟ أنت أيضا معنا في القطار نفسه ؟”

تحيرت، من هذه الحسناء ؟ وكيف تعرف اسمي ؟ بهتّ للحظة وكأن كل تقاليد الأدب والأخلاق طارت من رأسي، إن الجمال له هيبة تجعل رؤوس الأكابر تخضع، ولم أشعر بعجزي مثلما شعرت به في ذلك الوقت. لقد صافحت نظام حيدرآباد، والحاكم الإنجليزي، ومهاراجا ميسور وتناولت طعامي جالسا معهم، لكن هذا الشعور بضياع النفس لم أشعر به في ذلك الوقت. وكنت أود تقبيل قدميها بأهدابي، لم تكن مليحة لدرجة أن نضحي بحياتنا من أجلها ولم تكن فيها تلك النعومة التي يتحدث عنها الشعراء لكنها كانت تمتلك الذكاء والثقة والوقار، وقلبًا حيا ورغبة في إظهار الشوق دون حجاب. وقد أجبتها بقولي: نعم.

كيف أسألها عن معرفتها بي، انفتاحها يدل على أنها تعرفني، فكيف لي أن أتجاهلها، وقد أديت واجبي قائلا: “أي خدمة ؟”[1]

قالت مبتسمة: “نعم، هناك أشغال كثيرة، تفضل نجلس في صالة الانتظار، إنك ذاهب إلى لكناؤ؟ أنا أيضا”.

أجلستني على الكرسي الهزاز بعد دخولنا صالة الانتظار، وجلست هي على كرسي عادي ومدت إلي علبة السجائر قائلة:”كانت طريقة رميك للكرة اليوم خطيرة وإلا لكنا قد هزمنا بفارق كبير”.

بلغت حيرتي الذروة، وهل لهذه الجميلة رغبة في لعبة الكركت أيضا؟ كنت أشعر بالحرج وأنا أجلس أمامها على الكرسي الهزاز، لم يصدر مني هذا التصرف غير اللائق من قبل، وكنت منتبها لذلك. شعرت بانقباض وفقدت في نفسي ذلك الإحساس الوردي والحماس الذي كان من الطبيعي أن أشعر به في موقف كهذا.

سألتها:”وهل كنت موجودة هناك؟”

قالت وقد أشعلت سيجارتها:”نعم من البداية إلى النهاية. أعجبني لعبك أنت فقط. أما البقية فكانوا يلعبون بغير رغبة وأنا أعلم سر ذلك. لا يوجد لدينا الشعور بإدراك القيمة الصحيحة للفرد، وكأن التخلف السياسي قد قضى على جميع صفاتنا الحسنة، فمن يملك الثروة هو القادر المطلق، ويمكنه أن يكون رئيسا لندوة علمية أو أدبية أو اجتماعية سواء كان مؤهلا لذلك أم لا، فيفتتح المنشآت الجديدة، ويضع الحجر الأساس بيده، ويقود الحركات الأدبية، ويقوم بإلقاء الخطابات في حفلات التخرج، ويوزع الهدايا على الطلاب، كل هذا ببركة تفكيرنا المستعمَر. ولا عجب أننا أصبحنا في قاع المذلة والانحطاط. في مجال الحكم والاختيار نحن مضطرون، لكن في المواضع التي نستطيع أن نبرز فيها خيالنا الحر وعلمنا، نقوم بمراعاة التقاليد وتبجيل النعم ، كان من اللازم أن تكون أنت كابتن هذا الفريق، حينها كنت أرى كيف يمكن الفوز للفريق الآخر، أما قدرة المهاراجا على تحمل قيادة الفريق هي نفسها التي تملكها أنت لترأس البرلمان، أو أنا لأكون ممثلة سينما”.

المشاعر نفسها التي كنت أشعر بها ولكن كم أصبحت مؤثرة ومفيدة بعد أن نطقتها هي بلسانها. قلت لها: “قولك صحيح، إن هذا من ضعفنا.”