مقتطفات من كتاب باريس عندما تتعرّى

باريس عندما تتعرى، إيتيل عدنان

ترجمة: مي مظفر

دار الساقي بيروت-2006

“باريس بحرٌ، وأنا موجة من موجات هذا البحر”

حين يهطل المطر في باريس، تفتح أوربا مظلاتها. سريعا، تُرمى صحف الصباح في السلال. القهوة تزداد كثافة مع القشدة، مما يجعلك تشتاق إلى فيينا، وثمة رائحة خبز مدهون بالزبدة تنبعث من المعاطف السميكة للرجال المسرعين إلى مكاتبهم. داخل المترو ظلام وفوضى. هناك من بين الركاب شابات كثيرات، بعضهن لم يقرأن قط “Le Spleen de Paris[1]. لاشك أن بودلير أحب لندن. تشع المصابيح الكهربائية داحل الحافلات، فالصباح ما زال يشبه مساء الأمس مع الزبائن ذاتهم الذين ما زالوا يتساءلون طوال سنوات عما إذا كان عليهم أن يبتسم بعضهم لبعض. ليس هذا اليوم هو اليوم. أولئك الذين يذهبون بالسيارات إلى أعمالهم،يغسلون زجاج نوافذهم بعناية تامة، وأحيانا يمسحونها بأكمامهم مسحا سريعا. من الصعب جدا إيجاد موقف للسيارة حين يكون الطقس تعسا، وذلك هو الحال في معظم أوقات السنة. بعض المواطنين الشجعان يصطحبون كلابهم في جولة صباحية. يبتل كل من الناس والحيوانات، غير أن هناك بعض الواجبات التي لا بد من القيام بها، ولا يمكن تفاديها، فهم يتبعون النظام. جميع أخبار الصباح تدور على أوربا. فالوحدة الأوربية هي دواء كل شيء، والفرنسيون يريدون أن يعرفوا كم يبلغ ارتفاع الجليد في روسيا. لعل الشتاءات، مع سقوط الشيوعية، ستغدو أقل قسوة، وسينهض الاقتصاد الروسي. لذلك تحتشد الغيوم الصغيرة بكل أنواعها في أجهزة التلفاز، ليس تلك القادمة من الأطلنطي فقط، وإنما تلك القادمة من بحر الشمال أيضا. آه نعم! هناك عاصفة هبت فوق هامبورغ. وفي الوقت نفسه لم تخفّ وطأة المطر. ليس بإمكانك رؤية الخارج، وليس بإمكانك فتح نافذتك. إنه ظلام يمتد حتى الظهر، وحينئذ يصبح الوقت متأخرا للحصول على ضوء جيد يسقط من السماء. ترفع أنفك، تتطلع إلى الأعالي، فلا ملاك يلوح هناك ببوقه. تمر في السماء غيوم مليئة بالنذر. يتدافع بعضها فوق بعض، وينهمر منها الماء. وهكذا، تستمع إلى نشرة أخبار الساعة الواحدة فتعرف أن جميع السباقات قد ألغيت، مرة أخرى. إنْ  كان جهاز الراديو لديك مشتغلا، فسيقال لك إن السبب هو الطقس؛ وإذا كان لديك القناة الأولى أو الثانية، فستشاهد خيولا مقيدة ترتدي بطانيات. وتتساءل عما إذا كانت البطانيات مبللة، وتتمنى أن تتحسن الأوضاع. وعلى أي حال، فإنك لن تراهن على الجياد. أصبح الوقت متأخرا

اضغط هنا لمتابعة القراءة