مقدمة ترجمتي للرواية الموريسكية “سماءٌ مُتشظّية” للكاتب الإسباني فرناندو بارّيخون

الإطار التاريخي والاجتماعي للرواية:
تقوم الرواية الموريسكية “سماء متشظيّة” للروائي الإسباني فرناندو بارّيخون التي ترجمتها إلى العربية، على وقائع تاريخية موثّقة يسرد المؤلف من خلالها أحداث مرحلة مهمّة من تاريخ المسلمين في الأندلس، تحديداً في غرناطة بوصفها آخر معقل
لهم. وتورد تفاصيل محنتهم في الفترة التي رافقت وتلت سقوطها في أيدي النصارى إبان حكم الملكيْن الكاثوليكيّين فرناندو وإيزابيل عام 1492. وهكذا تفتتح الرواية فصولها بتلك اللحظة التاريخية المفصلية.
تقدّم الرواية عرضاً موثّقاً لما تعرّض له المسلمون في إسبانيا في تلك الفترة الحرجة، وما عانوه من ظلم وقتل وتشريد وإرغام على التنصير (كما هو الحال مع شخصية حقيقية كالزعتور في الفصل الخامس عشر) وتنكيل بمن أسلم من النصارى (وهو ما حدث مع شخصية حقيقية أخرى كرقيّة في الفصل الثاني عشر) بعد أن انتهكت السلطات الإسبانية المدنيّة والكنسيّة بنود الاتفاقيّة التي أبرمها آخر ملوك الأندلس أبو عبد الله مع الملكيْن الكاثوليكيّيْن حفظاً لحقوق المسلمين.
في الرواية نتعرّف على أجواء الحياة الغرناطية قبل وبعد التسليم، بما في ذلك سعي المسلمين لرفع الظلم الذي أصابهم، من خلال الوسائل السلمية قبل استنفادها والتحول إلى الثورة في القرن السادس عشر، ومخاطبة الملكيْن بمذكّرة تاريخية كتبها المثقف الموريسكي النبيل نونييث دي مولاي (في الفصل التاسع عشر)، وسواها من الأحداث المستلهمة من تاريخ الموريسكيّين. وقد وظّفها المؤلف من خلال حبكة روائية وسرد أدبي رائع يتخلّله الشعر والاستشهادات القرآنية والإنجيلية، الأمر الذي يشي بمعرفة عميقة بموضوعة العمل الروائي وخلفيته التاريخية.
شخصيات الرواية:
استعان المؤلف بشخصيات أتت على ذكرها المصادر والكتب التاريخية الإسبانية، وقلة من المصادر العربية القديمة، كما في كتاب ” ناصر الدين على القوم الكافرين” الذي وضعه أحمد بن قاسم الحجري (أحد شخوص الرواية).
وقد اتخذت الرواية من حياة عائلة يحيى الجِبّس، الملقّب بالحكيم، وأولاده وأحفاده (ألونسو دِل كاستيّو وميغيل دي لونا وألونسو دي لونا) ثيمة أساسية لها إذ تتقصّى مسارها على مدى أجيال. وهي عائلة معروفة في غرناطة ممن تنصّروا تقيّة قبيل سقوط غرناطة بيد النصارى إلا أنّهم واصلوا حياتهم وشعائرهم الدينية خفية كمسلمين. وقد مارسوا عملهم في الطبّ والترجمة أيضاً لاتقانهم العربية والإسبانية واللاتينية.
موفقة دائما دكتوراة