
كانت القدس في الحقب التاريخية المختلفة مدينة جاذبة لحركة التجارة لكن دورها هذا لم يتبلور بصورة كبيرة إلا بعد الاعتراف بالديانة المسيحية من قبل الامبراطورية الرومانية حيث بدأت حركة الحج المسيحية لها التي أوجدت فضاءات تجارية تلبي متطلبات الزوار، وفي العصور الإسلامية تبلور هذا الدور بصورة متصاعدة منذ العصر الأموي مع الاهتمام العمراني والمعماري بالمدينة ، لنجد في العصر العباسي حركة غير مسبوقة من زوار المدينة من المسلمين والمسيحيين ، هذا ما أدي إلي نمو عمراني للمدينة غير مسبوق ، ومن ذلك سوق يعود للعصر العباسي عثر علي بقاياه في الحفائر الأثرية التي أجريت في السنوات الأخيرة، يقع السوق علي بعد عشرات الأمتار جنوب الحرم القدسي الشريف ، هذا السوق يرجح أنه بدأ سوقا موسميا ثم صار يجمع بين النشاط التجاري والحرف الصناعية الخفيفة ، وموقعه كان في العصر الروماني البيزنطي مخصصا للكلس ( تجهيز الجير ) وهذا يعني أنه كان خارج نطاق المدينة، دلت الحفائر علي وجود قسم سكني في هذا الامتداد العمراني للمدينة، جدران البنايات شيدت من الحجر الصغير وكسيت بطبقة سميكة من الجص وهو ذات الأسلوب المستخدم في مدينة الرملة العباسية، من الواضح أن هذه المنطقة خططت بدقة فورش الصناعة شيدت في الجزء الشرقي والمحلات التجارية في الجانب الشمالي ، وكشف فيها عن شوارع طولية ومتوازية ، بينها مبان مركزية وساحات ، ويظن أن الساحات استخدمت لأنشطة تجارية، وحفرت أبار لتجميع مياه الأمطار، وقنوات للصرف الصحي، حفظت التربة العديد من المواد العضوية التي حفظت بشكل جيد نتيجة لتأكسدها ، فتم التعرف علي 38 نوعا من بذور النباتات ، منها بذور فواكة وخضراوات وقمح ، منها بذور عنب وتين وبذور نباتات طبية مثل البابونج، ونباتات صناعية مثل الكتان ، تقدم كلها دليلا علي النظام الغذائي والحياة الاقتصادية في المدينة خلال العصر العباسي ، وأيضا عثر علي بذور نباتات غير محلية مثل الكمثري السورية أو نبات الخروع ، دلت الأواني الفخارية التي عثر عليها في الموقع علي وجود أواني مائدة متنوعة، وأواني تخزين، والعديد من أواني المائدة جلبت من مصر والعراق ، مثل صــحون وأباريق بيضاء مزججة ، وصــحون بألوان متعــــــــــــــــــددة ،
علي جانب أخر توضح عظام الأغنام والماعز علي أنها أكثر اللحوم التي كانت منتشرة في القدس([1]) .
[1]. يانا تشيخانوفيتس ، دورون بن عامي ، سوق مفتوح من الفترة العباسية في مدينة القدس ،ترجمة حمود خلايلة ، مجلة حجر الزاوية ، العدد 10 ، نوفمبر 2022 ، ص 441 : 453 .
