
طارق النعمان
في كتابها المتميز الترجمة والصراع: حكاية سردية، والمناهض والكاشف للعديد من آليات الهيمنة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في مجال الترجمة، تحاول منى بيكر أن تُوسِّع نطاق النظرية ما بعد الكولونيالية في دراسات الترجمة لتستوعب وتوظِّف كلاً من منجزات الدراسات السردية، خصوصًا في سياقاتها المعرفية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية، على نحو ما يمكن أن نجد لدى كل من ماكنتاير، وفيشر، وبرونر، وسواهم، والمنجز الخاص بما أصبح يُعرف بدراسات التأطير المنطلقة من أعمال إرفنج جوفمان والتي يتم توظيفها بشكل لافت في كل من دراسات الخطاب السياسي والحملات الانتخابية، وخصوصًا في دراسات الميديا والإعلام. وهي، في هذا السياق، تكشف لنا عن الأدوار المختلفة التي تلعبها السرديات القارة في النصوص المترجمة أو تلك المنتمي إليها المترجم، وموقعه من السرديات التي تتم ترجمتها والكيفيات التي تؤطر بها أحداث معينة، خصوصًا في ظل قدرة اللغة على الإحالة على أكثر من إطار في آن واحد، أو على أطر كثيرًا ما تكون متصارعة، حيث يحيل كل إطار على سردية مغايرة وربما نقيضة أو مناقضة للسردية أو السرديات الأخرى، بقدر ما تلعب السرديات ذاتها من أدوار في عمليات التأطير والكيفيات التي تؤطر بها الوقائع. ومن ثم؛ فإنها تدفعنا إلى التفكير في الدور الذي تلعبه انتماءاتنا، ومواقعنا الأيديولوجية، ونحن نترجم، كما تدفعنا إلى التساؤل عما إذا كنا نترجم انطلاقًا من السرديات التي ننتمي إليها أم من خلال السرديات المُضمَّنة في النصوص، أم انطلاقًا من سرديات القراء المحتملين، أم من سرديات من نتوسط بينهم بالترجمة، خصوصًا في حالات الترجمة الفورية، وما قد يعنيه الانحياز لصالح سردية على حساب سردية أو سرديات أخرى.