
كان من الحظوظ الطيّبة أن أستمع مساء البارحة (٢٥ تمّوز ٢٠٢٥)، وعلى مدى زمني يقارب الساعة والنصف، وفي مضمار المنتدى العالمي للغة العربية الذي ترأسه الأستاذة القديرة باهرة عبد اللطيف، إلى محاضرة مميزة واستثنائية عنوانها (تعليم الترجمة لجيل زِي: خبرة جيل الألفية).
العنوان -كما لا يخفى- يمتلك جاذبية فكرية وعملية واضحة لن يتغافلها كلّ مهتمّ أو مهجوس بالموضوعات الستراتيجية التي تنبثق عن الحراك التفاعلي القائم بين تقنيات عصرنا ومستجداته العلمية التي تتسارع كل يوم من جانب، والتغيرات البنيوية الحاصلة في طبيعة تشكيل الباراديغمات النسقية الحاكمة للتفكير في الأجيال الناشئة بعد ثورة التقنيات الرقمية وحلول عصر الذكاء الاصطناعي الذي بات يبشّرنا بقرب مَقْدَم نسخته المنتظرة من الذكاء العام والفائق.
كانت الأستاذة المحاضرة الدكتورة هبة المصري، أستاذة الترجمة في إحدى الجامعات المصرية – والتي اختارت توصيف نفسها بأنّها شابة من مخرجات جيل الألفية الذي صار من المواضعات الثقافية السائدة تشخيصُهُ بالفئة العمرية الممتدة من منتصف تسعينيات القرن العشرين حتى عام ٢٠١٠ – دقيقة ومرتّبة في عرض مادتها بكيفية متوازنة لا تعمل على كبح الدسامة التاريخية والنظرية للمادة المبحوثة استجلاباً للمتابعة المنتظرة من جانب المستمعين.
مَنْ له رغبة حقيقية مقترنة بشغف لحوح في المتابعة سيعرف أنّ دسامة المحاضرة تستحقّ الإصغاء المكثّف والتمرين الذهني التفاعلي اللحظي؛ أما من ليس له تلك الرغبة وذلك الشغف فلن تستهويه المتابعة حتى لو جعلتَ له المحاضرة أقرب لقالب شيكولاتة.
هذه المقايسة تصحُّ مع الكتب المؤلّفة أو المقالات أيضاً. ثمّة مستوى مفاهيمي لا ينبغي الهبوط إلى ما دونه تحت مسوّغات الجذب الشعبي وتوسّل إنتباهة الآخرين.
المضامير الفكرية الجادة ليست (سيركاً) للتسلية العابرة أو (طلبات المستمعين)، والعلم الحقيقي لا توجد له طريق ملكية معبّدة باليسر والتفريط في حجم التبسّط في تحصيل المعرفة.
الدكتورة هبة المصري
