ليلي ماير*

ترجمة: فلاح حكمت اسحق**

    بأيّ مقياس تشاء وبصرف النظر عن وجهة نظرك ورؤيتك، يُعَدُّ داميون سيرلز Damion Searls – وهو المترجم الأمريكي للغات الألمانية والنرويجية والفرنسية والهولندية إلى الإنكليزية-  أحد أبرز ممارسي أفانين الترجمة. ترجم سيرلز أعمال أساتذة مرموقين (هيرمان هيسه، راينر ماريا ريلكه)، وكُتّابًا يستحقّون التقدير (إنغبورغ باخمان، دوبرافكا أوغريشيتش)، وإثنين من الحائزين على جائزة نوبل مؤخراً (جون فوس وباتريك موديانو). يتنوّع أسلوب سيرلز في الكتابة من حيث ممازجَتُهُ بين العصور والأساليب النثرية؛ فقد ترجم إلى الإنكليزية من الأدب المعاصر ما يعادل ترجمته لفلسفة القرن التاسع عشر؛ غير أنّ الخصيصة الجامعة لترجماته هي أناقة الترجمة: حتى نسختُهُ من كتاب لودفيغ فيتغنشتاين الأشهر “أطروحة منطقية فلسفية” Tractatus Logico-Philosophicus تتميز بأسلوب باذخ الأناقة رغم تعقيدها المفاهيمي. أشادت مارغوري بيرلوف، الباحثةُ في أعمال فيتغنشتاين والتي ترجمت للفيلسوف بنفسها، بترجمة  سيرلز لتجسيده “أدبية النصLiterariness of the Text “، وهو إطراءٌ يُقدَّمُ باستحقاق كامل لأيٍّ من كتبه المترجمة الأخرى  التي تزيد عن 60 كتاباً. وبالنظر إلى نجاح سيرلز والتزامه بالترجمة  فمن المُفاجئ والمثير أنّه يبدأ كتابه الأخير “فلسفة الترجمة Philosophy of Translation بإعلانه أنّ الترجمة لا تختلف كثيراً عن أي شكل آخر من أشكال الكتابة. يُجادل قائلاً في هذا السياق: “الكتابة كمترجم تُشبه إلى حد كبير أي نوع آخر من الكتابة”.

داميون سيرلز

   ما يطرحُهُ سيرلز هو أن جميع الكُتّاب – بمن فيهم المترجمون- يوظّفون الأدوات ذاتها في عملهم. فعلى سبيل المثال لو كنتُ أعملُ على رواية باللغة الإنكليزية، سواءٌ أكانت تلك الرواية تأليفاً أصليّاً أم مُترجمة، فإنّ اللغة الإنكليزية هي وسيلتي، تماماً كما كان الرسم الزيتي هو وسيلة كلود مونيه في عمله الفنّي. يترتّبُ على ذلك أنني مُقيّدٌ باللغة الإنكليزية – بقواعدها، وأعرافها، والعادات اللغوية لمتحدّثيها – تماماً كما كان مونيه مُقيّداً بلوحاته وفرشاته المُختارة. يُؤكّدُ سيرلز أنّ المترجمين يتعاملون مع “قيدٍ قويٍّ للغاية” يتمثل في العلاقة الوثيقة بين النصّ الأصلي والنص الجديد؛ لكنّ الأخير لا يزال جديداً. في نهاية المطاف، مهمّةُ المترجم – وهي الجانب الأساسي لنقل نص من لغة إلى أخرى- هي كتابة كتاب جديد، وكتابتُهُ بالحدّ الأعلى المُستطاع من الإتقان.