• سيرة ذاتية مزدوجة

   يبدو السؤال الذي طرحه الناقد المغربي عبد اللطيف الوراري، وهو يتحدث عن هذه السيرة المزدوجة، حول معنى أن يكتب شاعر مثل علي جعفر العلاق سيرته الذاتية، ما دام بإمكان شعره نفسه أن يقوم بمثل هذه المهمة،  ضروريا إذا نحن تتبعنا سيرة الشاعر وسيرة القصيدة في هذا الكتاب الذي جعل السؤال حول مصير القصيدة ومآلها النهائي في صدر عنوانه. 

 غير أن ما نقرأه في هذه السيرة ليس مسار القصيدة وسيرة صاحبها التقليدية وحدهما، ولا تطابقها أو اختلافها في هذه السيرة، بل مسار حياة إنسانية موازية، ارتبطت بهذه القصيدة نوعا من الارتباط، مثلما ارتبطت القصيدة ذاتها بهذه الحياة إيقاعا وأسلوبا، وبحثا ذاتيا مؤلما عن منفذ للهواء والضوء. 

  الكتاب يمثل ذاكرةً حيّة لقصيدة علي جعفر العلاق، ذاكرة شديدة الوعي بنفسها وبوضع صاحبها البشري، وحرصه على تسجيل كل الذبذبات المحيطة ببيضة النص، والصادرة عنه وهو يتخلّق وينمو. ولذلك، فهو تسجيل متأنٍ لتطور الشاعر الفكري والفني والروحي وانعكاسه في القصيدة. ومن شأن ذلك أن يمنح الناقد والباحث فكرة إضافية عن مدى الارتباط بين الذاتي الخاص، والموضوعي العام داخل بنية هذه القصيدة، وعلى نحو لا تكون فيه الكلمات تعبيرا اعتباطيا ينطوي على لغة وموسيقى دون محتوى فيه حدث أو موقف وسبب ومحفّز واستجابة. فهو، أعني الكتاب بمجمله، بيان ضروري تساعد قراءتُه ومعرفة كيفية ارتباط القصيدة فيه بسياقها المكاني والزماني، وتعبيرها عنه، على فهم هذه القصيدة وتمثّلها بطريقة أفضل. مع العلم أن طبيعة الارتباط بين الصوت والمعنى، وموقع الصورة في لغة هذه القصيدة، يبدو أكثر تعقيدا من أن يُردّ إلى جانب واحد من جوانب هذه الاستجابة التي تتخذ شكلا إبداعيًا وليس تاريخيا أو اجتماعيًا محددًا. 

  • الشعراء وأنصاف الشعراء

 والاستعارة التي تقوم في هذه القصيدة على أساس علاقة المشابهة، والكناية التي تقوم على علاقة المجاورة، أو هي أن تترك الشيء وتأتي إلى تاليه وردفه في الوجود، حسب تعبير الجرجاني، وغير ذلك من مظاهر بلاغية تشيع في خطاب علي جعفر العلاق الشعري، تبقى في صورتها العامة طبيعيةً بعيدة عن الافتعال والتصنّع، مع ما يكمن وراءها من وعي وجهد ومعرفة وخبرة مهنية بفن القول شعره ونثره؛ وليس لأنصاف الشعراء والمثقفين قدرة على فهمها كما ينبغي، كما في هذا النص المكتوب عن أحد الشهداء تحت عنوان (زفاف علوان الحويزي)، كان الشاعر قد قرأه خلال سنوات الحرب مع نص آخر في إحدى المناسبات “التعبوية” حسب تعبيره:

     ” كلما انتشر الصبح بين القصبْ

       فتح الهورُ قمصانه للندى،

       ومواقده لأنين الحطب

       قهوة مرة، ورماد أليف

       وشمس مبللة بالذهب”